قالت: زوجي دائم الصمت، عينه مثبتة في صحيفته، يحملق في التليفزيون بانتباه شديد، وكأنني لست موجودة، يتكلم باقتضاب شديد، سألت نفسي: ما الذي تغير فينا؟ ما الذي جعل جدار الصمت بيني وبينه يعلو ليصبح حاجزا زادته الأيام صلابة؟
تصورت أنني بصبري عليه وتحملي معه صعوبات البداية، وإخلاصي في تربية أبنائه، سأحفر في قلبه نهراً من الحب رقراقاً دفاقاً، وسأزرع أزهار المودة في طريقنا، ونسيت أن شجرة الحب بين الزوجين تتغذى بالعاطفة، وترتوي بالتواصل والكلام الجميل وتنمو بالمشاركة الوجدانية، وتذكرت أنني أخطأت في حقه بمعاملتي السيئة له، وقررت بيني وبين نفسي بعدما استخرت الله أن أحطم ذلك الجدار بنفسي وأستعن بالله، ولاحظ زوجي التغيير الكبير في كل شيء في منزلي وطريقة ترتيبه، ولاحظ أيضاً اهتمامي بنفسه، وطريقة معاملتي له، لاحظ ذلك كله، لكنه بقي على صمته، وكان لابد أن أتحمل، وعلى هذا الأساس عزمت على مواصلة المشوار حتى النهاية بالصبر والمثابرة والوقوف بجانب زوجي، وإصراري على التحاور معه في كل ما يخصه ويخص حياتنا، وتأكيدي له أنه أهم وأكبر شيء في حياتي- بعد مرضاة الله تعالى- وأنه كان وما زال على رأس أولوياتي واهتماماتي- وأخيراً تكلم، ولكن بكلمات ملؤها العتاب ولم أنزعج فالعتاب نصف المحبة، حتى زالت الغمة وانزاحت تماما، وعاد إليّ زوجي بعد طول غياب، وبعدما زال حاجز الصمت!
تلك حالة من حالات كثيرة ونموذج للعديد من الأسر العربية التي غاب طائر الحب عن سمائها عندما فقد القدرة على البقاء في جو خانق كئيب لا روح فيه ولا حياة.. حالة جديدة على مجتمعنا العربي.. حالة الصمت الرهيب بين الأزواج.. فما الذي يسمح لهذا الجدار بأن يعلو ويعلو.. إنه الملل الذي يتسرب من ثغرات حياتنا كما يتسرب الماء من بين أصابعنا، وينشأ الملل في حياة الأسرة حينما تفتقد الجديد، وينشغل الزوج بأحواله وظروف عمله أو مشاكله، وتنشغل الزوجة عن الاهتمام بزوجها إلى رعاية أبنائها، والملل مشكلة من المشاكل التي تواجه الأسرة وتسبب المتاعب والأزمات، فتشكو الزوجة من عدم اهتمام زوجها بها وإعراضه عنها، ومعاملتها بقسوة وجفاء وعدم تقدير، والشكوى نفسها يرددها الزوج زوجتي لم تعد تطيقني، ولم تعد تحبني، تضايقني كثيراً بتصرفاتها، وتهمل رعايتي، وتتعلل بالأولاد، أو بأننا كبرنا ولا ينبغي أن نتصرف مثل الشباب المراهق.. إن فتور العلاقة الزوجية ينعكس على كل أحوال البيت، فلا ترتاح الزوجة ولا الزوج، ويعيش الأبناء في قلق وتوتر..
والسؤال الآن هل يكره الزوج زوجته حين ينقطع الحوار بينهما؟ ولماذا؟
حاولت عالمة النفس الأمريكية د.سوزان فورودارد
الإجابة عليه من خلال العديد من الدراسات التي استمرت 14 عاماً حول الأسباب التي تدفع الزوج لأن يكره زوجته والتي تدفع الزوجة لأن تكره زوجها أيضاً.
وتوصلت د.سوزان إلى أن الأسباب الحقيقية التي تدفع الزوج لأن يعامل زوجته بطريقة سيئة وكأنه يكرهها هي البيئة الحقيقية للزوج، فالزوج الذي يكره زوجته غالباً ما يكون ضحية تعسف عاشه وسط أسرته.
ويرى علماء النفس أن هناك فرقاً بين الكراهية والنفور.. فالشائع أن يكون هناك نفور بين الزوجين في مرحلة أو أخرى من تاريخ زواجهما لكن الكراهية هي درجة حادة وشديدة وتنطوي في الكثير من الأحيان على العدوان بشكل أذى بدني أو مادي أو نفسي أو معنوي.
وقد يحدث أحياناً نفور بين الأزواج مع طول فترة الزواج نتيجة لأسباب بعضها قد يكون موضوعيا كعدم حرص كل طرف على أن يضفي معنى جديدا في حياة الآخر ومن هنا تتحول العلاقة الزوجية إلى نوع من الرتابة والملل، وكذلك إهمال أحد الطرفين في إظهار المودة للطرف الآخر، وهذا مطلب ضروري في الحياة الزوجية، فكل زوج أو زوجة يريد أن يسمع من الآخر ما يطريه، ولكن المسألة تبدو نادرة في الحياة الزوجية وتبدو الحياة صامتة ومحبطة للطرفين وهذا يفسر في بعض الأحيان لماذا تحدث الخيانة الزوجية.
حدد خبراء الاجتماع العوامل التي تؤدي إلى الصمت الزواجي الذي يؤدي إلى برود المشاعر في جملة من العوامل، جاء على رأسها عملية الاختيار التي قد تكون غير موفقة أو تمت بطريقة سريعة، وبالتالي لم يفهم كل منهما الآخر، وبعد أن يتم الزواج يحدث الهرب كوسيلة للتخلص من الزواج، كما أشاروا إلى أن الأنانية من العوامل المهمة أيضاً؛ إذ أن كلا من الزوجين يركز على ذاته، وإشباع رغباته الشخصية دون حساب للآخر، وأضافوا إلى ذلك عاملا مهما متمثلا في غياب الوعي الديني لدى كلا الزوجين، وعدم احترام كل منهما الآخر الذي قد يبدو في إهمال الآخر وعدم سماع متطلباته.
متاعب الزواج
أما الدكتور عادل صادق أستاذ الطب النفسي بجامعة القاهرة فيشرح أبعاد المشكلة بشكل مختلف ويرصد الظاهرة في كتابه (متاعب الزواج) بقوله:
يشكو الرجل من أن زوجته نكدية، وأن بيته قطعة من الجحيم، وحين يعود إلى بيته تداهمه الكآبة، إذ يطالعه وجه زوجته الغاضب الحاد النافر المتجاهل الصامت.. بيت خال من الضحك والسرور ويغيب عنه التفاؤل مثلما تغيب الشمس عن بيت فتلتهمه الأمراض.
يقول: في بيتي مرض اسمه النكد، ويرجع السبب كله إلى زوجته ويدعي أنه لا يفهم لماذا هي نكدية.. لماذا تختفي الابتسامة من وجهها معظم الوقت ويحل محلها الغضب والوعيد؟ ولماذا هي لا تتكلم؟ لماذا لا ترد؟ والحقيقة أن هذا الزوج لا يعرف أن زوجته بصمتها الغاضب إنما هي تدعوه للكلام.
إنها تصدر إليه رسالة حقيقية.. إنها رسالة سلبية ولكن هذه طريقتها لأنهما لم يتعودا معاً- الزوج والزوجة- على طريقة أكثر إيجابية في التفاهم.. ويقلق الزوج.. يكتئب هو أيضاً.. ثم يغلي في داخله.. يم ينفجر.. وتشتعل النيران وبذلك تكون الزوجة قد نجحت، فقد استفزته إلى حد الخروج عن توازنه، لأنها ضغطت على أهم شيء يوجع رجولته وهو التجاهل، أي عدم الاعتراف بوجوده.. أي اللامبالاة، ولكن هذه ليست حقيقة مشاعرها فهي تغلي أيضاً لأنها غاضبة.. غاضبة من شيء ما.. ولكنها لا تستطيع أن تتكلم فهذا هو طبعها وربما يمنعها كبرياؤها.. فهذا الزوج يخطئ في حقها وهو لا يدري أنه يخطئ وأن أخطاءه ربما تكون غير إنسانية.. ربما يتجاهلها عاطفياً.. ربما يتجاهلها فراشياً.. ربما بخله يزداد من دون داع حقيقي.. ربما أصبح سلوكاً مريباً.. ربما وربما وربما وهناك عشرات الاحتمالات، ولكنه لا يدري أو هو غافل، أو يعرف ويتجاهل، وهو لا يدري أنها تتألم، أي أنه فقد حساسيته، ولكنها لا تتكلم، لا تفصح عن مشاعرها الغاضبة، وربما لأنها أمور حساسة ودقيقة، ربما لأن ذلك يوجع كرامتها، ربما لأنهما لم يعتادا أن يتكلما، ولهذا فهي لا تملك إلا هذه الوسيلة السلبية للتعبير، وهي في الوقت نفسه وسيلة لعقاب التجاهل.
وإذا بادل الزوج زوجته صمتاً بصمت وتجاهلاً بتجاهل فإن ذلك يزيد من حدة غضبها وربما تصل لمرحلة الثورة والانفجار فتنتهز فرصة أي موقف وإن كان بعيداً عن القضية الأساسية لتثير زوبعة.
لقد استمر في الضغط عليها حتى دفعها للانفجار، ضغط عليها بصمته وتجاهله رداً على صمتها وتجاهلها وتلك أسوأ النهايات أو أسوأ السيناريوهات فهي – أي الزوجة – تصمت وتتجاهل لتثير وتحرق أعصابه وتهز كيانه وتزلزل إحساسه بذاته ليسقط ثائراً هائجاً وربما محطماً. وهنا تهدأ الزوجة داخلياً ويسعدها سقوطه الثائر، حتى وإن زادت الأمور اشتعالاً وشجاراً تتطاير فيه الأطباق وترتفع فيه الأصوات وهذا هو شأن التخزين الانفعالي للغضب.
وتتراكم تدريجياً مشاعر الغضب حتى يفيض الكيل وتتشقق الأرض قاذفة بالحمم واللهب فتعم الحرائق. قد يستمر هذا الأسلوب في التعامل والتفاعل سنوات وسنوات وهذا يؤدي إلى تآكل الأحاسيس الطيبة ويقلل من رصيد الذكريات الزوجية الحلوة ويزيد من الرصيد السلبي المر.
ويعتادان على حياة خالية من التفاهم وخالية من السرور ويصبح البيت فعلاً قطعة من جحيم فتنطوي الزوجة على نفسها ويهرب الزوج من البيت، وتتسع الهوة
أسرتى